ما الذي تتطلعون إليه في مهرجان طيران الإمارات للآداب 2017؟
هذا واحد من أهم وأرقى المهرجانات الثقافية والأدبية، وأكثرها غنى، على مستوى تعدد النشاطات والفرص التي يوفرها لضيوفه للتعارف والتعرّف أيضا. فالنخبة التي يستضيفها المهرجان تضم شخصيات من مستويات محلية وعربية وعالمية من أدباء وكتاب وروائيين ونقاد وغيرهم. انه مساحة مفتوحة للقاء هؤلاء على الصعيد العام. كما انه يوفر فرصة
أكبر من خلال اللقاءات والندوات المخصصة لمناقشة بعض أعمالي، للتعرف على جمهوري في دبي وفي الإمارات عموماً، الذي التقيته مراراً من قبل، ولا بد انني أكثر لهفة، هذه
المرة، للاستماع إليه مجدا. فدائماً لدى القارئ ما يقوله لكاتبه.
من أين تستمدون إلهامكم للكتابة؟
من حادث في حياتنا يتجدد في حياة آخرين. من مصادفة تباغتني وتفرض تفاصيلها. من حكاية لافتة تمتلك عناصر درامية معينة ومفاتيح يمكن استخدامها في ولوج مسارات سردية
أبعد من نقطة البداية. الأهم من كل ذلك، الحكايات التي استهدفها وأسعى اليها في الوسط الفلسطيني الذي هو مصدر كل كتاباتي: حكايات الناس العاديين التي يمكن أن تصبح حياة أخرى متخيلة على الورق، تعيد رسم الحقيقة.
ما هي المقولة التي تفضلونها أو تعبر عن شخصكم؟
لا أحفظ مقولات عادة، ولا أعلق لائحة نصائح ذاتية مثل حكمة اليوم على اللوح المدرسي، تعمل لي كمرشد عام. إلا أنني أؤمن بقيم أساسية في حياتي، هي الصدق والنزاهة والشفافية. فهي تشكل لي ضمانة قوية للاحتفاظ بكل ما هو إنساني، سواء تعلق الأمر بالسلوك الشخصي، أو بسلوك الآخرين. وهي الرقيب الذي لا يرفع عينيه عن جوهر ما
انتجه من أعمال. وهي المعايير التي أتذكرها في كل لحظة لكي أحاسب نفسي وأحاسب الآخرين.
ما هي الرحلة الأكثر أثراً في حياتكم؟ وما هي الرحلة التي تودون القيام بها؟ علماً بأن موضوع مهرجان 2017 هو “الرحلات”.
هي “رحلة العمر”، حين أتيحت لي الفرصة للعودة إلى فلسطين بجواز سفر بريطاني، لكي التقي والدتي وأهلي في قطاع غزة بعد قرابة أربعين عاماً. رحلة لا تشبه أي رحلة في
العالم في فرادتها، وغرابتها، وندرتها، وما حملته من فرح، وهواجس، وأحلام، ومخاوف، وسعادة، وقلق، وتوقعات، ومصادفات. إنها الرحلة التي أنتجت روايتي “السيدة من
تل ابيب” عام 2009، والتي وصلت الى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2010. وقد استكملتها برحلة ثانية، شملت بقية مدن فلسطين، وخصوصاً مسقط رأسي المجدل عصقلان، ثم يافا، واللد، والرملة، وبئر، وحيفا، والقدس، وعكا، والناصرة. انها الرحلة التي غرفت منها حكايات انطلقت منها إلى عالم روايتي الثانية “مصائر..كونشرتو الهولوكوست والنكبة”، التي فازت بالجائزة نفسها في الدورة الأخيرة العام 2016. أما الرحلة التي أطمح إليها، فهي التي ستقودني إلى استكمال ثلاثيتي برواية جديدة.
أين تفضلون الكتابة؟ هل تفضلون الكتابة في وقت معين؟
في العادة أكتب في حضور الفكرة، أو حين أسمع صوت احدى الشخصيات، أو يداهمني حدث كان يتشكل في ذاكرتي ويتفاعل. أكتب حيث يقع ذلك، على ورقة عادية، على علبة “كلينيكس”، على أوراق نوت موسيقية تكون عادة على طاولتي، على صفحة على شاشة الكمبيوتر في مكتبي او اللاب توب في البيت. كل شيء يتوقف على اللحظة الزمنية التي تستدعيني إلى الكتابة، استجابة لرغبة الشخصيات، فأكتب في المكان الذي استدعيت إليه. لكن حين تستقر الأمور ويبدأ ما أشتغل عليه في النمو والتطور، أنتظم قليلا، واقتنص
بعض الوقت خلال العمل، أو ساعات بعد العودة الى البيت. وأترك كل ما قلته قبل ذلك، لتدوين عبارات، أو ملاحظات، أو صورة جميلة، او ملاحظة، مما يداهمني فجأة. لا وقت محدد
لدي ولا أجلس الى مكتبي في وقت معين بانتظام. بل لا مكتب لدي أصلا، ولا أقدر على الكتابة جالساً إلى مكتب تقليدي. أكتب غالبا في القاعة الزجاجية المطلة على حديقة البيت جالساً على كنبة من البامبو، وفي حضني لاب توب صغير. أكتب بينما زوجتي تشاهد برنامجاً على شاشة التلفزيون. أكتب في مترو الأنفاق في الطريق إلى العمل. الكتابة لها كل
وقتي وهي التي تفرض مكانها وزمانها غالباً. وحين تهجرني وتنغلق عليّ سبلها، أشطب كل المعطيات المحيطة السابقة المألوفة لدي، وأسافر الى بلد آخر. أنعزل، حيث الآخرون
فيه غير موجودين. آخريني من شخصيات عملي، حاضرون. كثيراً ما أنقذتني رحلة كهذه من “حبسة الكاتب” التي لا مهرب لكاتب منها. في الرحلة لا أتخلص من “الكلبشات”.
هل تفضلون القهوة أم الشاي؟
أفضل الشاي المعتدل اللون، مثل طقس ربيعي. الشفاف مثل سماء صافية. فهو صديقي الدائم الذي سرعان ما ألعنه حين يفرض علي سكره تأثيرات لا يحبها وزني. أتوقف عن تناوله. اهجره الى الأخضر البريء الذي لا يحتاج إلى محليات. وحين أشتاق للوردي، أسرق “كباية” في الصباح وأخرى في المساء، وأحتفظ بالاعتدال في تناوله. وعلى عكس ثلاثة أرباع
البشرية إن لم يكن كلها، لا أتعاطى القهوة “المحبوبة السمراء”. لكني أشعر بضعف حد المذلة أمام رائحتها التي لا تقاوم. القهوة الوحيدة التي أتقرب منها بمشاعر مراهق،
وأرتشفها مثل القبلة الأولى، هي القهوة العربية التي تدعوني إلى التقاط حبة تمر تشبه شفتين. أحب هذه العادة في الإمارات العربية، وأتوق الى بعضها في زيارتي المقبلة.
ما هو كتابكم المفضل؟
لا كتاب مفضل لدي ولا كاتب. لكل كاتب أعمال مميزة، وانا أحب هذه الأعمال، واقرأ منها ما يسمح به الوقت. الإصدارات أصبحت تفوق قدرتنا على اللحاق حتى بجزء ضئيل منها.
لذلك غالباً ما أحنّ الى الروايات التي شكلتني في بدايات قراءاتي، وهي الكلاسيكيات المعروفة.
ربعي المدهون
كاتب وصحفي فلسطيني، ولد في المجدل، قرب مدينة عسقلان جنوب فلسطين سنة 1945، وهاجرت عائلته بعد نكبة 1948 إلى خان يونس
بقطاع غزة، عمل في المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات صحفياً ومحرراً للعديد من الصحف والمجلات ـو يعمل حالياً محررا في صحيفة الشرق الأوسط في لندن. ترشحت روايته “السيدة من تل أبيب” للجائزة العالمية للرواية العربية في 2010، وفازت روايته الثانية “مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة” بالجائزة العالمية للرواية العربية 2016.