مؤسسة الإمارات للآداب

التحدي الأكبر للشباب: الموازنة بين العمل والحياة

في رحلتي الأخيرة إلى مدينة سياتل، فاجئني بشدة عدد السكان الذين لا مأوى لهم، لأكتشف فيما بعد أن مدينة سياتل تحتل المركز الثالث في الولايات المتحدة من حيث عدد المشردين، ذلك بعد مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس. 

إن البقاء في الشارع هو أمر صعب للغاية، ولكن في مدينة سياتل يزداد الأمر سوءاً إذ تسقط الأمطار لمدة قد تصل إلى تسعة أشهر. 

وبعد مضي بضعة أيام على إقامتي في نفس المنطقة، أصبحت وجوه البعض مألوفة. ولاحظت أن معظم الموجودين بالشوارع لم يكونوا إلا شباباً، معتمدين بشكل كامل على أنفسهم، ولم تكن متطلباتهم أكثر من توافر الطعام وفرصة لعيش حياة ملائمة. 

يُعد وضع المشردين قضية متفاقمة الجوانب، خاصة في المدن الكبرى بالولايات المتحدة. ويعود ذلك إلى عدة عوامل مختلفة؛

إذ تجذب المدن الكبرى الكثير من الشباب في أولى مسيراتهم المهنية، عن طريق الوعود بالفرص الوظيفية اللامعة. لكن كان ازدهار التكنولوجيا في مدن مثل سياتل سبباً كبيراً في ارتفاع أسعار المنازل بشكل متزايد، مما قلل من فرصة إيجاد المنازل ذي الأسعار المُناسبة. 

إن هذا هو السبب الرئيسي للتشرد في الولايات المتحدة؛ تليه البطالة كثاني أهم سبب، يليها الفقر والاضطرابات العقلية بالإضافة إلى إدمان المخدرات. 

لا أنفك عن التفكير في مدى بشاعة تخيل احتمال التشرد بالنسبة للطلبة والموظفين الشباب في سياتل بالإضافة إلى مدى تأثير ذلك الخوف على أنماط حياتهم واختياراتهم المهنية. وعندها فكرت في مدى اختلاف حياة الشباب الإماراتيين، إذ أن معظمهم لا يخشون من فُقدان نعمة المأوى. 

لقد اعتدنا، نحن الإماراتيون، على العيش مع عائلاتنا حتى مرحلة الزواج. في حين أن العديد من الشباب في الولايات المتحدة ينتقلون للعيش في مكان آخر عند إتمامهم عامهم الثامن عشر، إما للاستقلال أو لملاحقة فرص التعليم والوظائف. 

كما أنه لدينا في دولة الإمارات العربية المتحدة، عدد محدود من المواطنين المحليين بالإضافة إلى السكن المجاني الذي توفره الدولة لأبنائها; مما يعني أن مسألة التشرد لا تسبب أي قلق واضح للشباب الإماراتيين. وحتى في الحالات التي يتعرض فيها بعض الأشخاص لخسارة أموالهم ومقتنياتهم المادية، من المؤكد، إلى حد ما، وجود أحدهم سواء أكان صديق أو فرد من العائلة، لاستقبالهم ومساعدتهم بصدر رحب. 

كان من الصعب جداً خلال رحلتي أن أستوعب، بأخذ طبيعة ثقافتنا في الحسبان، عدد الأشخاص الذين ينامون في الشوارع، ذلك يعني أن ليس لديهم شخص واحد في حياتهم بإمكانهم اللجوء إليه والنوم على أريكته.

أما عن الوافدين الذين يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيمكنهم البقاء في الدولة طوال سريان مدة تأشيرة عملهم. هذا يعني أنهم قادرين على تغطية تكاليف السكن، الغذاء والرعاية الصحية أثناء إقامتهم في البلاد. هذا النظام يقلل من فرص التعامل مع التشرد إلى حد كبير، وهو نظام لا يضاهى مع نظام الولايات المتحدة في كثير من نواحيه الأساسية وبأكثر من طريقة. 

وفي ضوء هذه الاختلافات المتأصلة، أجد أنه من المثير للاهتمام مقارنة خيارات جيل الألفية المستقبلية بين بيئتين مختلفتين. ربما رأينا جميعًا أن الأسباب الأساسية التي تدفع بجيل الألفية في حياتهم المهنية هم: الرغبة في إحداث تأثير والعمل بوجود الدافع؛ التعامل معهم كأفراد ذو استقلالية؛ إظهار التقدير والاحترام لهم؛ المخاطرة وتبني الخطط المختلفة عوضاً عن الخطط المستقبلية التي تؤول في نهاية المطاف إلى التقاعد، الخطط التي تميل نحو تنويع المهارات وإبقاء جميع الخيارات متاحة ومتوفرة. 

إن جيل الألفية لا يخشى التغيير، بل إنهم يتوقعونه، وبالتالي يرون فرصة فيه. إنهم يقدرون التوازن بين العمل والحياة أكثر من المال والمكانة. ويتطلعون إلى أن يتم الاعتراف بجهودهم وتقديرهم اليوم وليس خلال العشر سنوات المقبلة. 

قد تكون آمالهم موجودة في عالم مثالي ومتكامل، ولكن كم من شاب من الجيل الجديد حول العالم، لديه فرصة عادلة إلى حد ما لتحقيق رغباته في ظل تراكم ديون الطلبة، والفواتير التي يجب دفعها، بالإضافة إلى التأمين الصحي وأخيراً وليس آخراً، سوق العمل الذي يفوق قدراته؟ 

تشير نتائج الدراسات والبحوث حول العالم نسباً متباينة (ولكن مازالت عالية) عن عدد الشباب الذين تركوا وظائفهم الثابتة والمُربحة، فقط من أجل السفر والبحث عن مصادر بديلة للدخل، مصادر لا تقيد حريتهم في حدود مكتبية. إذ أن السبب الرئيسي وراء قيامهم بذلك هو شعورهم بأنهم مستهلكين في بيئات العمل بالإضافة إلى رغبتهم في تحدي المعتقدات التقليدية الخاصة بالوظائف والتوظيف. 

أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون من عدم الاستقرار المادي، فهم غالباً يستمرون بممارسة مختلف أنواع شغفهم إلى جانب وظائفهم اليومية والتي من الممكن أن تكون مصادر دخل إضافية، على أمل أن يتحول هذا الشغف يوماً ما إلى عمل مربح بما يكفي لاستبدال وظائفهم اليومية وتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة والرضا العام بما يتعلق بالمستقبل المهني.

في المجتمعات التي يكون فيها العُرف أن ينتقل الشباب للعيش بمفردهم في الثامنة عشر من أعمارهم، تزداد أعداد الشباب الذين يفضلون الاستقرار مع أهلهم حتى منتصف العشرينات من العمر أو حتى الثلاثينيات وذلك بهدف توفير المال. إذ تلعب الضغوط الاجتماعية التي تحيط بالشباب اليوم، خاصة تلك الأوهام حول شكل “الحياة المثالية” والتي ترسخها وسائل التواصل الاجتماعي في نفوسهم، دوراً مهماً في التأثير على خيارات حياتهم كذلك. 

ولكن يبقى السؤال الأهم هو: كيف من الممكن للفرد أن يتخذ تلك القرارات العشوائية التي تهدف إلى تحقيق السعادة قصيرة المدى في ظل ضرورة اللحاق بالتزامات الحياة الواقعية؟ 

أحلام بلوكي، مديرة مهرجان طيران الإمارات للآداب 

لموقع “ذا ناشيونال”. لقراءة المقال الأصلي، زوروا هذا الرابط 

أحلام بلوكي

                                

اكتشفت أحلام حبها للكتب عندما كانت في الثامنة عشر من عمرها، حيث كانت نشأتها مع والدتها التي كانت تأخذهم إلى معرض الشارقة للكتاب كل عام ودائمًا ما تشجع على القراءة سبباً لتحولها لمحبة للكتب إلا أن الكتاب الذي حول أحلام إلى قارئة نهمة كان كتاب "Shame" للكاتب Jasvinder Sanghera الذي شجع أحلام على التعمق في القراءة عن الصراعات التي تواجهها النساء في مختلف أنحاء العالم. 

فيما بعد، اكتشفت أحلام الشعر. الأمر الذي قادها لحضور ورش العمل في مركز Gotham Writer في مدينة نيويورك، حيث درست الشعر لعدة أشهر، بالإضافة إلى دراسة الأعمال الروائية، النصوص، الأدب وحتى أدب المذكرات! 

تجد أحلام صعوبة في اختيار نوعها المفضل من الأدب إذ أنها لا تزال في خضم اكتشاف نفسها الأدبية. إنها تلاحق كل أنواع الكنوز الأدبية التي فاتتها عندما كانت طفلة مثل "الأمير الصغير" و "شجرة العطاء". طورت أحلام مؤخراً حباً جديداً لأدب الجريمة ومازالت تستمر في استكشاف باقي الأنواع!