مؤسسة الإمارات للآداب

في عيد ميلاد فيروز: ماذا غنت "جارة القمر" من الشعر؟

فيروز والصباح: صديقان يجمعهما فنجان القهوة

يحتفل، اليوم، العالم العربي بميلاد واحدة من أيقونات الغناء العربي الراقي وهي فيروز. إذ أجمع على صوتها، على مدار عقود، عدد كبير من النقاد والجماهير، فهي التي غنت للحب، للوطن، للقيم، للحرية وللشعر. وقررنا أن نحتفل معكم اليوم باستعراض أهم الأشعار العربية التي استطاعت فيروز بصوتها الساحر وقدرتها الخلابة على بث الحياة بهم بالموسيقى. 

أعطني الناي وغنِّ

"أعطني الناي وغنِّ، فالغنا سر الوجود وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود". 

الملحن: نجيب حنكش، كلمات: جبران خليل جبران 


 إحدى أشهر وأعذب أغاني فيروز هي أغنية "أعطني الناي وغنِّ" والتي في الأصل هي قصيدة للشاعر والكاتب جبران خليل جبران تحت عنوان "المواكب". كتب الشاعر القصيدة ونظمها في العام 1918 وتتكون من 203 بيتاً وتتألف من ست مقطوعات. يستعرض لنا الشاعر، على مدى أبيات القصيدة، مواضيع مثل الحب والسعادة، العدل والخير، الطبيعة المثالية والحنين للوطن. 


نّظم جبران هذه القصيدة باستخدام وزنين مختلفين من حيث التركيبة اللفظية، البنية، الوزن والقافية. وتبدأ القصيدة بالحديث عن الخير والشر والصراع الأبدي بينهما في النفس البشرية، فيقول جبران: 


"الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا 

والشرُّ في الناس لا يفنى وإِن قبروا" 


 والجدير بالذكر أن جبران خليل جبران قد استلهم كتابة هذه القصيدة من حُلم حَلم به إذ يقول في رسالة كتبها لأميل زيدان: 

"أما المواكب كقصيدة، فحلم رأيته في الغابة".

يا عاقد الحاجبين

"يا عاقد الحاجبين، على الجبين اللجين. إن كنت تقصد قتلي، قتلتني مرتين" 

 الملحن: سليم الحلو، كلمات: بشارة الخوري 


تعتبر قصيدة "يا عاقد الحاجبين" لبشارة الخوري، والمُلقب بـ"الأخطل الصغير"، من أشهر القصائد المغناة في العصر الحديث. حيث اشتهر شعر الأخطل الصغير بفصاحة شعره وتضمينه صوراً متعددة للحب والهوى في قصائده، مما ألهم مجال الموسيقى بتحويل قصائده إلى أغاني، 

فغنى له العديد من أيقونات الموسيقى العربية مثل عبد الوهاب، فريد الأطرش، وديع الصافي وفيروز. 


انتقت فيروز هذه القصيدة كي تغنيها لما فيها من عتاب لطيف بين محبوبين طالت فترة الجفاء بينهما ويتخلل هذا العتاب نوعاً من الغزل. 

فيقول الأخطل: 


"تَـمــر قـفــز غـــزالٍ بين الرصيف وبينـي ¤¤ وما نصبت شباكي ولا أذُنت لعيني"


والجدير بالذكر، أن الأخطل ولى اهتماماً خاصاً للسياسة. فقد كان صحفي وله مقالات رأي عديدة حول السياسة والفساد في لبنان حينئذ ثم تولى مسؤولية نقابة الصحافة 

فيما بعد في العام 1928. كما أنشأ حزباً سياسياً تحت مسمى "حزب الشبيبة اللبنانية"، وظل له دورٌ كبيرٌ في مشهد المقاومة ضد الفساد، فكانت آخر أشعاره هي قصيدة 

"سائل العلياء" إذ يقول: 


"ضحك المجدُ لنا لما رآنا 

 بدم الأبطال مصبوغاً لِوانا"  

أحب من الأسماء

"أعدُ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ وقد عشتُ دهراً لا أعد اللياليَ، فيا ربِ سوي الحبَ بيني وبينها، يكون كفافاً لا علّيَ ولا ليَ." 

الملحن: محمد محسن، كلمات: قيس بن الملوح 

من منا لا يعرف قيس بن الملوح المُلقب بـ"مجنون ليلى"؟ قد غنت له فيروز واحدة من أشهر قصائده وأصعبها كذلك وهي قصيدة "المؤنسة" التي أهداها قيس بن الملوح لمحبوبته ليلى. 


سُميت القصيدة كذلك لأن الشاعر كان يؤنس بها نفسه، والجدير بالذكر أنّ من دَوّنها كان صديقاً للشاعر، دائماً ما كان يصاحبه في مجالسه. كانت قصائد قيس بن الملوح مرجعاً 

أدبياً وتاريخياً لتلك الفترة الزمنية بالأخص، حيث نتعرف من خلالها على عادات وتقاليد العرب حينئذ وتأثيرها على علاقة الحب التي ربطت قيس بمحبوبته ليلى وعلى حياة قيس بشكل عام. 


أما عن تأثيره في الأدب، فقد كان شعر قيس بن الملوح ودواوينه التي يتغنى في معظمها بحب ليلى، علامة فارقة في الأدب العربي والشرقي بشكل عام. فاستلهم منه الأدب الفارسي إحدى القصص الخمسة من كتاب الكنوز للشاعر "نظامي كنجوي" وتأثر به الأدب التركي والهندي إلى حد كبير، فكثيراً ما نرى العديد من قصص الحب والوجد المستوحاة 

من شغف قيس وجنونه بمحبوبته. 


وقد غنت فيروز عدة أبيات متفرقة من قصيدة "المؤنسة" في أغنية بعنوان "أُحب من الأسماء".  

جاءت مُعذّبتي

الأندلسيات: 

"جاءت مُعذّبَتي في غَيهبِ الغَسَقِ كَأنّها الكَوكَبُ الدريُ في الأُفُقِ" 

الملحن: محمد محسن، كلمات: لسان الدين بن الخطيب 

بثت فيروز الحياة في هذه الأبيات بصوتها البديع ضمن مجموعة من الأغاني المبنية معظم كلماتها على قصائد عربية أصيلة. 


أما عن هذه الأبيات فهي من قصائد لسان الدين بن الخطيب، الشاعر، المؤرخ والوزير الأندلسي والمُلقب "بذي الوزارتين: الأدب والسيف". ترك لسان الدين ما يقارب 60 كتاباً في الأدب، التاريخ، الجغرافيا، الرحلات، السياسة، الطب والكثير من المواضيع غيرهم. 


وحظيت أشعاره على قدر كبير من محبة وتقدير الجمهور حتى نُقشت على حوائط قصر الحمراء بغرناطة. نظم قصيدة "جاءت معذبتي في غيهب الغسق" على أربعة أبيات، اختارت 

منهم فيروز الأبيات الثلاث الأولى لأغنيتها.  

إلا أن هذه القصيدة لا تُعد الأشهر للسان الدين بن الخطيب، إذ نالت الموشحة الأندلسية "جادك الغيث" النصيب الأكبر من إعجاب الجمهور، فيقول بن الخطيب: 


"جادك الغيـث إذا الغيـث همـى يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس ¤¤ لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا في الكرى أو خلسـة المختلـس" 


والجدير بالذكر أن هذه الموشحة قد غنتها فيروز أيضاً، بدايةً من الأبيات: 


"في ليـالٍ كتمـت سـر الهـوى بالدجـى لـولا شمـوس الغُـرر ¤¤ مال نجـم الكـأس فيهـا وهـوى مستقيـم السيـر سعـد الأثــر" 

كانت هذه بعض من القصائد العربية العديدة التي تغنت بها فيروز فـأطربتنا بها. بالإضافة طبعاً إلى ما غنت لإيليا أبو ماضي وهي قصيدته "وطن النجوم"، ولأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته "يا جارة الوادي"، للشاعر نزار قباني عدة قصائد مثل “دمشق"، "لا تسألوني". كما غنت أبيات للمتنبي، الوأواء الدمشقي، ميخائيل خير الدين ويردي وغيرهم الكثير. 


ما هي أغنيتكم المفضلة لفيروز؟ شاركونا في التعليقات أدناه!