في رحلةٍ إلى فضاء الأمل اصطحبنا بها أول قائد محطة فضائية كندي، بواسطة سفينة مهرجان طيران الإمارات للآداب الفضائية، ازدحم الزوار محدقين بذهول بالكائن الفضائي القادم
من الأعلى منتظرين بشوق سماع حكاياته المثيرة عن ذلك العالم المظلم خارج حدود كرتنا الارضية، حكاياته التي جاء بها بشرٌ مثلنا اختبر الفضاء الشاسع بحواسه الإنسانية وجاء إلينا
بخبرٍ يقين من وحي الواقع ليتحدث عما جال دوماً في خيالاتنا.. هل هذا العالم الشاسع اللامنتهي القابع خارج حدود أرضِنا موجودٌ بالفعل؟ وهل هو جميل يتلألأ بالنجوم كما تَصِفُ
أفلام الخيال العلمي؟ ماذا يحدث للإنسان في الفضاء؟ ما شكل الكرة الأرضية عندما ننظر إليها من خارج الصندوق؟ هل أرضنا هي الأجمل على الإطلاق؟ عديدة وكثيرة هي
التساؤلات التي دارت في خُلج كل حاضر من حضور تلك الليلة المتعطشين للعلم والمعرفة ذوي الخيال الخصب ممن عشقوا الفضاء وعشقوا كريس هادفيلد.
في صور عديدة تخطف الأنفاس ومقاطع فيديو لا مثيل لها التقطتها كاميرا الكولونيل كريس هادفيلد من الفضاء، شرح رائد الفضاء لمحبي الفضاء ورواد مهرجان طيران الإمارات
للآداب عن عملية إطلاق الصاروخ ليخترق أجواء الأرض صاعداً إلى الفضاء الرحب، وكم من الطاقة يلزم لإتمام هذه العملية. بالطبع وكما توقع الجميع لم تكن هذه العملية إجراءً
بسيطاً. ركز العالِم في حديثه بطريقة فكاهية وممتعة، وأبعد ما تكون عن التقنية، على الصعوبات والمخاطر الجمة التي واجهت – ولا زالت – البشر القائمين على تطوير أفضل
السبل للخروج من نطاق المستحيل والانطلاق إلى فضاء الكون، إذ لا زال العالَم بحاجة إلى مزيد من البحث والاستقصاء والعقول النيرة لتطوير سبل لا تهدد حياة رواد الفضاء عند انطلاقهم لطرق أبواب المستقبل لاستنباط المزيد من المعارف.
في وسط إعجاب الجمهور، بينت إحدى الصور دولة الإمارات العربية المتحدة وكيف أن التطور الحضاري والمعماري الذي وصلت إليه وضعها في مقدمة الدول التي تظهر في الفضاء
وتبرز على خارطة الزمن.
وقد استعرض كريس هادفيلد صوراً للكرة الأرضية بجمالها وعظمتها وجبروتها تسبح بهدوء في فضاء الحياة، وبين أن رحلاته إلى الفضاء فتحت عيونه على التغييرات المناخية
الخطيرة التي يتعرض لها الكوكب الأزرق وتهدد وجوده ووجودنا، بينما يغرق البشر في أنانيتهم وسعيهم لفرض جبروتهم وسيطرتهم محولين الجنات الخضراء إلى مساحات يابسة
تزداد يوماً
بعد يوم.
كان لمحبي الفضاء جلسة ممتعة إذ اطلعوا مع الرائد كريس هادفيلد على حقائق مذهلة حول جسم الإنسان عندما يفقد جاذبيته وحول الطرق التي ابتكرها مع زملائه لمساعدة اجسادهم على التأقلم مع حالة الحرية التي وصلت إليها أجسادهم عند انعدام المقيد والسجان الأعتى في العالم – الجاذبية الأرضية.
“هل يمكنكم التخلص من القيود والتحليق في فضاء خيالاتكم لتحقيق المستحيل؟” كان هذا سؤال كريس هادفيلد للجماهير المذهولة بقوة حضوره وحديثه الممتع والكم الرائع من المعلومات والتجارب التي قدمها العالِم لهم في جلسة امتلأت حيوية وفكاهة و تشجيعاً وإيجابية.
لم تقتصر الندوة على العلم والمعلومات والمشاعر الجياشة تجاه حب الأرض والبيئة والعمل لتحقيق الأفضل، بل وقدمت للمعجبين فقرة مميزة مع عالمهم المحبوب عازف الجيتار
الفريد وهو يؤدي أغنيته الشهيرة في وداع السفينة الفضائية التي أداها في الفضاء بالاشتراك مع طلاب المدارس في كندا، واستقطبت الآلاف من المعجبين من منبره في الفضاء الرحب، وكان هذا بدء حقبة “الموسيقى الفضائية” إذ مزج رائد الفضاء بين أرقى الفنون الأرضية وأعلى الاستكشافات البشرية وانعدام الجاذبية في ريمكس فضائي لا شبيه له!
ماذا يأمل الكاتب والعالم كريس هادفيلد من كتابه “دليل رائد الفضاء للحياة على الأرض” كمصدر غني ينهله محبي القراءة والفضاء؟ تبادر هذا السؤال في أذهاننا قبل أن يقدم
كريس تصوره عن المستقبل.. لا نريد للأجيال أن تتوقف عن الحلم، فقد كان حلم أحدهم أن يلمس القمر وبسبب حلمه عرفنا وجود العالم الضخم السابح هناك خارج حدود تصورنا..
كان المستحيل يوماً أن يخترق أحدهم سماء الأرض واليوم نحن نتطلع إلى أبعد من ذلك بكثير…
لا حدود للطموح ولا حدود للأمل، دعا كريس هادفيلد البشر إلى التحلي بالإيجابية والسعي لإحلال السلام لأن هذه الأرض التي نعيش عليها هي معجزة جميلة ولأن “على هذه الأرض
ما يستحق الحياة”. أرضنا تدور بهدوء في فضاء مرصع بالنجوم والكواكب والحيوات الأخرى التي تنبض بتناغم وتتعايش معاً بتناسب واتزان لجعل الحياة لمن يتنفسون الحياة ممكنة.
عمقت هذه الندوة الرائعة بداخلي الشعور بالرضا والشكر للخالق على هذه النعمة التي أوهبنا إياها، على عيشنا على الأرض التي تزخر بأشكال الحياة الجميلة الملونة.. نعم الحياة تمشي بتسارع عجيب ولكن لا زال هناك فسحة للأمل ولاختبار جمالية العيش في هذا الكون المليء بالنقاط المضيئة.. “في الفضاء لا تسقط الدموع.”